❗️sadawilaya❗
كتبت / عبير عبدالحكيم الجنيد
يأتي الخطاب الموسع لنائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في لحظة فارقة من تاريخ الحزب؛ بعد معركة "طوفان الأقصى" واستشهاد الأمين العام السابق سماحة السيد حسن نصر الله سلام الله عليه. هذا الخطاب ليس مجرد حديث إعلامي عابر، بل هو وثيقة استراتيجية شاملة تهدف إلى ترتيب الشأن الداخلي، وإرسال رسائل متعددة المستويات إلى الداخل والخارج.
في مرحلة بالغة الحساسية
من خلال الخطاب، يمكن الكشف عن الرؤية السياسية والثقافية التي تحكم مسار الحزب في مرحلة ما بعد الاستشهاد، والكيفية التي يصوغ بها خطابه لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
• القيادة الجماعية ومواجهة المرحلة الانتقالية:
أولى قاسم اهتماماً ملحوظاً لطمأنة الداخل على استمرارية الحزب بعد الاستشهاد، مؤكداً أن "هذا الحزب إذا لم يكن معه أناس يساعدونه فلا يستطيع فرد واحد أن ينجز". جاء هذا التأكيد على القيادة الجماعية والقيادات العسكرية لمواجهة أي تساؤلات حول قدرة الحزب على تجاوز ضربة استشهاد قائده التاريخي.
• العلاقة مع إيران:
سعى قاسم إلى تحقيق توازن دقيق في تصوير العلاقة مع إيران؛ فنفى أن يكون الإيرانيون هم من أداروا المعركة، بينما أكد في الوقت نفسه أن الإمام الخامنئي "قدّم كل أشكال الدعم" وكان له "متابعة تفصيلية". هذا التوازن يمثل محاولة للحفاظ على الشرعية المحلية مع الإقرار بالتحالف الاستراتيجي.
وقدم قاسم رؤية متطورة لإستراتيجية الردع عندما أوضح أن "فائض القوة" كان إستراتيجية ناجحة في مرحلة سابقة (2006-2023)، بينما التكتيك الحالي مختلف. هذا الكشف يُظهر القوة في إدارة الملف العسكري، وقدرة على التكييف الإستراتيجي حسب ميزان القوى.
• إدارة الصراع مع الدولة اللبنانية:
مثلاً عبارة "سلمنا الأمانة للدولة اللبنانية" جوهر الرسالة الموجهة للسلطة في لبنان. من خلال هذه العبارة، يحمل قاسم الدولة مسؤولية الدفاع وبسط السيادة، بينما يلوح بعودة الحزب لملء الفراغ إذا استمر التقصير، في إشارة إلى أن الوجود العسكري للحزب "رد فعل وليس فعلاً".
من خلال خطاب الشيخ نعيم قاسم نستنتج: صناعة الأسطورة وتجييش المقدس
• الإسلام المحمدي كمنهج حياة:
لم يقدم الشيخ نعيم قاسم حزب الله كتنظيم سياسي عادي، بل كمشروع حضاري يستند إلى "الإسلام المحمدي الأصيل" الذي يمثل "منهجاً إيمانياً فكرياً ثقافياً عملياً سلوكياً سياسياً اجتماعياً". هذا التصوير يرفع المشروع إلى مستوى المشروع الحضاري الشامل.
• الاستشهاد كمنظومة قيمية وعقائدية:
حوّل قاسم مفهوم الاستشهاد من مجرد فعل إلى هوية جماعية، مؤكداً أن "كل من في الحزب استشهاديون". وقد وسع هذا المفهوم ليشمل "العائلات التي تربي وتحتمل العقبات"، مما يخلق ثقافة تضامنية تبرر الاستمرار في المقاومة.
• بناء الأسطورة:
استخدم قاسم تعابير مثل "المجاهدين الأسطوريين" و"يستحقون أن يُتقبل التراب تحت نعالهم" لصناعة نموذج مثالي للمقاتل الذي لا يقهر. هذا الخطاب لا يهدف فقط إلى رفع المعنويات، بل إلى تحويل المقاومين إلى رموز مقدسة إلى جنود لا يتبعون أحداً بل جند مجندة لله عز وجل وحده ويتقربون بدمائهم وأشلائهم لله عز وجل وإعلاء كلمته.
الشيخ نعيم قاسم في خطابه بالأمس: بين الحزن والافتخار
• استحضار روح نصر الله:
عبّر قاسم عن صدمته الشخصية باستشهاد نصر الله بقوله: "حسيتُ للحظات أن حياتي انقلبت". هذا الاستحضار العاطفي يعمق الشعور بالخسارة، لكنه يحولها إلى حافز للمواصلة عندما يؤكد أن الشهادة "أعطت زخماً إضافياً".
• وكان خطاب الشيخ نعيم قاسم موجه أيضاً لأنصاره وعبر عن الامتنان والوفاء:
خاطب قاسم أنصاره بعبارات مثل "أنتم الذين تبنون المسيرة" و"أنتم جميعاً جزء لا يتجزأ من انتصارات المقاومة". هذا الخطاب يخلق علاقة عاطفية متينة بين القيادة وأنصارهم من الحاضنة الشعبية، ويعزز الشعور بالانتماء.
• وأكد نعيم قاسم أن من أساسيات هذا الحزب وقوته بالتربية على التضحية:
وعبّر قاسم في لقائه بكلمات أنهم "لا يهابوا الموت" و"مغسولون من فوق إلى تحت بعشق رب العالمين" عن بعد عاطفي صوفي، يحول التضحية من فعل قسري إلى حالة وجدانية اختيارية.
يمثل خطاب نعيم قاسم نموذجاً متقدماً للخطاب السياسي-العسكري، يجمع بين حسابات القوة الواقعية وبين الحمولة الثقافية العميقة. فهو من ناحية يشرح قراراته العسكرية وقوتها، ومن ناحية أخرى يغذي المشاعر بلغة أسطورية. هذا المزج بين العقلانية والعاطفة، بين السياسي والمقدس، هو ما يميز خطاب حزب الله في هذه المرحلة الحرجة.
الخطاب في مجمله يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل الحزب، حيث يبرز كقائد جماعي منضبط، يحمل مشروعاً استراتيجياً طويل النفس، لا يتأثر بفقدان الرموز، ولا يتراجع عن ثوابته، لكنه في الوقت نفسه يمارس السياسة بالغة المرونة والحساب الدقيق.
في الأخير: حزب الله مشروع إسلامي باقٍ وقادر، قيادته قيادة منضبطة، ومستعدون لمواصلة المقاومة إلى ما لا نهاية، مع مطالبتهم بتحمل الدولة مسؤوليتها، وتحمل خصومه تبعات عدم استجابتهم لشروطه.
